responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 238
وَقَوْلُهُ: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا تَثْبِيتٌ للْمُؤْمِنين، لأنّ مثيل هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنْ دَخَائِلِ الْأَعْدَاءِ وَتَأَلُّبِهِمْ: مِنْ عَدُوٍّ مُجَاهِرٍ بِكُفْرِهِ. وَعَدُوٍّ مُصَانِعٍ مُظْهِرٍ لِلْأُخُوَّةِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ الْبَالِغَةِ أَقْصَى الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ، يُثِيرُ مَخَاوِفَ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ يُخَيِّلُ لَهُمْ مَهَاوِيَ الْخَيْبَةِ فِي مُسْتَقْبَلِهِمْ. فَكَانَ مِنْ شَأْنِ التَّلَطُّفِ بِهِمْ أَنْ يُعَقِّبَ
ذَلِكَ التَّحْذِيرَ بِالشَّدِّ عَلَى الْعَضُدِ، وَالْوَعْدِ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْكَافِرِينَ، وَإِنْ تَأَلَّبَتْ عِصَابَاتُهُمْ. وَاخْتَلَفَتْ مَنَاحِي كُفْرِهِمْ، سَبِيلًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْمُرَادُ بِالسَّبِيلِ طَرِيقُ الْوُصُولِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالْغَلَبَةِ، بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِعَلَى، وَلِأَنَّ سَبِيلَ الْعَدُوِّ إِلَى عَدُوِّهِ هُوَ السَّعْيُ إِلَى مَضَرَّتِهِ، وَلَوْ قَالَ لَكَ الْحَبِيبُ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، لَتَحَسَّرْتَ وَلَوْ قَالَ لَكَ الْعَدُوُّ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ لَتَهَلَّلْتَ بِشْرًا، فَإِذَا عُدِّيَ بِعَلَى صَارَ نَصًّا فِي سَبِيلِ الشَّرِّ وَالْأَذَى، فَالْآيَةُ وَعْدٌ مَحْضُ دُنْيَوِيٍّ، وَلَيْسَتْ مِنَ التَّشْرِيعِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فِي شَيْءٍ لِنُبُوِّ الْمَقَامِ عَنْ هَذَيْنِ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ وَعْدًا لَمْ يَجُزْ تَخَلُّفُهُ. وَنَحْنُ نَرَى الْكَافِرِينَ يَنْتَصِرُونَ على الْمُؤمنِينَ انتصرا بَيِّنًا، وَرُبَّمَا تَمَلَّكُوا بِلَادَهُمْ وَطَالَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ تَأْوِيلُ هَذَا الْوَعْدِ. قُلْتُ: إِنْ أُرِيدَ بِالْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ الطَّائِفَتَانِ الْمَعْهُودَتَانِ بِقَرِينَةِ الْقِصَّةِ فَالْإِشْكَالُ زَائِلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عَاقِبَةَ النَّصْرِ أَيَّامَئِذٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَطَعَ دَابِرَ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ثُقِفُوا وَأُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا وَدَخَلَتْ بَقِيَّتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَصْبَحُوا أَنْصَارًا لِلدِّينِ وَإِنْ أُرِيدَ الْعُمُومُ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُؤْمِنُونَ الْخُلَّصُ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِالْإِيمَانِ بِسَائِرِ أَحْوَالِهِ وَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَوِ اسْتَقَامَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ لَمَا نَالَ الْكَافِرُونَ مِنْهُمْ مَنَالًا، وَلَدَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ خيبة وخبالا.
[142، 143]

[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 142 إِلَى 143]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 238
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست